في عالم تتسارع فيه التحوّلات، تُصرّ الكاتبة الجزائرية إنصاف مريومة على الإمساك بجوهر الأشياء، بالحرف العميق، وبالمعنى الذي لا يُقال إلا عن قناعة. ابنة الجنوب الشرقي، الباحثة في ريادة الأعمال، وصانعة المحتوى التي تتنقّل بين الكلمة والصوت والفكر، تفتح قلبها في هذا الحوار لجريدة الجنوب الكبير، وتتحدث بصوت الصدق عن الكتابة، التحديات، والانتماء، وعن إكسير التجربة الأدبية التي اختارت أن تعيشها.
- بداية، من هي إنصاف مريومة؟
- لماذا الكتابة بالذات؟ ما الذي يجعلها ملاذك الأساسي؟
- حدثينا عن أعمالك المنشورة وعوالمها الخاصة:
- كونك كاتبة شابة من الجنوب، هل شكّل ذلك ميزة أم عائقًا في مسارك الأدبي؟
- كيف ترين واقع المقروئية اليوم، خاصة لدى الشباب؟
- ما الذي تقترحينه لإنعاش فعل القراءة، لا سيما في أوساط الشباب؟
- ما هي رسالتك لجمهور القرّاء والكتّاب؟
- كلمة أخيرة؟
بداية، من هي إنصاف مريومة؟
أنا إنصاف مريومة، كاتبة جزائرية من بلدية تماسين بولاية تقرت، جنوب الجزائر. أتنقّل بين أكثر من حقل: التأليف، التنشيط، صناعة المحتوى، والبحث الأكاديمي. تخرجت من المدرسة العليا للتجارة سنة 2022، تخصص مراقبة التسيير، وأنا حاليًا طالبة دكتوراه في تخصص المقاولاتية. أحرص أن أترك أثراً يحمل المعنى في كل ما أقدمه، سواء من خلال كتاباتي، أو ظهوري الإعلامي، أو أعمالي الرقمية. أؤمن أن لكل صوت رسالته، ولكل قلم أثره، وأن الكلمة قد تُمنح كحياة جديدة لمن يحتاجها.
لماذا الكتابة بالذات؟ ما الذي يجعلها ملاذك الأساسي؟
لأنها لم تكن خيارًا، بل كانت قدرًا جميلاً. الكتابة بالنسبة لي هي المساحة الوحيدة التي لا أضطر فيها لارتداء أقنعة. هي طريق المصالحة مع الذات، وسيلة لفهم الآخرين وفهم العالم، وحتى لفهم صمتي. قد أعمل في مجالات متعددة، لكن الكتابة تظل الأصل، والجوهر، ومصدر الطاقة التي تحركني. إنها أكثر من فعل… إنها ضرورة.
حدثينا عن أعمالك المنشورة وعوالمها الخاصة:
أصدرت إلى حد الآن كتابين. الأول بعنوان “تغيّر واصنع الفرق – تغيّر لتُغيّر” (2022)، وهو عمل تحفيزي يقدّم رؤية حول التغيير الداخلي وبناء الأثر انطلاقًا من الذات. أما الكتاب الثاني فهو “إكسير” صدر في طبعته الأولى سنة 2022، ثم أعيد نشره في نسخة ثانية منقحة ومعدلة سنة 2024. “إكسير” هو عمل تأملي يحمل طابعًا إنسانيًا، يتناول موضوعات النفس، الوعي، والإلهام بأسلوب أدبي عميق. وأنا الآن بصدد إصدار عمل جديد قريب جدًا إلى قلبي، أراه مختلفًا من حيث النضج والرؤية، وأنتظر خروجه إلى النور قريبًا بإذن الله.
كونك كاتبة شابة من الجنوب، هل شكّل ذلك ميزة أم عائقًا في مسارك الأدبي؟
الجنوب نعمة. هو خزان من العمق، والصمت، والأصالة التي تُنضج الكلمة ببطء ووعي. لكنه في ذات الوقت محاط بتحديات حقيقية، خاصة في ما يتعلق بالبنية التحتية الثقافية، وغياب فضاءات النشر، ونُدرة فرص الدعم. ككاتبة شابة، كان علي أن أؤمن بنفسي، أن أخلق فضائي بنفسي، وأن أجعل من الهامش مركزًا، ومن القلم نافذةً إلى العالم. التحديات كثيرة، ولكن كلما اشتدت، زاد إيماني بأن للكلمة أثرًا لا يُقهر.
كيف ترين واقع المقروئية اليوم، خاصة لدى الشباب؟
القراءة التقليدية ربما تراجعت، لكن لا أعتبر ذلك انقراضًا، بل تحوّلًا في الشكل. الشباب ما زالوا يقرأون، ولكن بوسائل جديدة: عبر الهواتف، الكتب الصوتية، المحتوى الرقمي. المشكلة ليست في عزوف الشباب، بل في غياب القدوة، وضعف التحفيز، وتهميش القراءة في مؤسسات التنشئة. القراءة لا تُفرض، بل تُغرس، وتحتاج إلى بيئة حاضنة، لا إلى أوامر فوقية.
ما الذي تقترحينه لإنعاش فعل القراءة، لا سيما في أوساط الشباب؟
يجب أن نربط القراءة بالمتعة، لا بالواجب. أن نُنشئ نوادي أدبية داخل المدارس والجامعات، ونشجع الشباب على الكتابة والنشر والمشاركة. المحتوى الرقمي الهادف يمكن أن يكون بوابة ذكية إلى الكتب الورقية. أما المؤسسات، فعليها أن تتحرك: مكتبات متنقلة، دعم مباشر للكتاب الشبان، معارض محلية، ودعم النشر الإلكتروني. آن الأوان للخروج من القاعات المغلقة إلى الشارع، إلى الواقع، إلى الجمهور.
ما هي رسالتك لجمهور القرّاء والكتّاب؟
للقراء أقول: لا تتعاملوا مع الكتاب على أنه ترف، فالكتاب الجيد قد يغيّر رؤيتكم للحياة. وللكتّاب أقول: لا تكتبوا لإرضاء الجميع… اكتبوا لأن هناك شيئًا صادقًا يحتاج أن يُقال. واكتبوه كما هو، لا كما يُنتظر منكم.
كلمة أخيرة؟
أنا ابنة الجنوب، ووريثة الحرف الذي يشعل الضوء في العتمة. أكتب لأن الحياة أعمق من أن تُعاش دون فهم، وألحن صوتي لأن في الصمت وجعًا لا يُحكى. شكري العميق لجريدة الجنوب الكبير على هذه المساحة، ولكل من لا يزال يؤمن بأن الكلمة قادرة على أن تُغيّر، أن تُنير، وأن تمنح الحياة من جديد.
