لقد كانت الاعتداءات المنفذة من قبل دولة الكيان الصهيوني على السيادة القطرية حدثا مفصليا، على منظومة الامن المشتركة لدول الخليج العربي، هذه الاعتداءات السافرة والتي تحدت كل الأعراف والقوانين الدولية ذكرت دول الخليج العربي بالاجتياح الذي قام به نظام صدام حسين على دولة الكويت واستوجب الامر تحالفا دوليا بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لاخراج القوات العراقية واستعادة سيادة دولة الكويت، قبل ذلك منظومة الامن لدول الخليج العربي هي جزء لا يتجزأ من منظومة الامن للنظام الإقليمي العربي، غير انه ومنذ اعلان انشاء هذا الكيان الغاصب في قلب الامة العربية كانت الاعتداءات مقتصرة على دول الطوق، أي الدول العربية التي لها حدود مباشرة مع دولة فلسطين المحتلة سيما دولتي سوريا ولبنان اللتين رفضتا توقيع أي اتفاقية تطبيع مع هذا الكيان الغاصب، مع وجود استثناءات لاعتداءات الكيان الصهيوني على بعض الدول العربية ضمن ما يسميه حماية أنه والقضاء على التهديدات التي تمس بوجوده.
لماذا هذه الاعتداءات على العاصمة القطرية الدوحة، رغم انها تقوم بجهود جبارة وتلعب دور الوسيط لإنهاء الحرب في قطاع الغزة واتمام صفقة تبادل الاسرى بين جماعة حماس والكيان الصهيوني، ان التفسير الوحيد لهذه الاعتداءات السافرة والمدانة دوليا، تعكس مدى حجم التخبط وعدم استقرار الراي لدى الكيان الصهيوني وعجزه عن اقناع الجبهة الداخلية بما حققه من انتصارات وهمية على حركة حماس التي لا تزال تقاوم بضراوة رغم فارق الإمكانيات والحصار الذي تعانيه من سنين طويلة، كما يعكس أيضا خيبة هذا الكيان من فقدان الدعم الذي كان يحظى به من الراي العام الدولي سيما صدور مذكرات توقيف في حق قادته من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، وجعل المجال الأوربي ممنوعا على قادته، كما تجد تفسيرا آخر في عجزه عن تحقيق أهدافه وتلقيه ضربات موجعة من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية وانتظار الولايات المتحدة الامريكية لكي تنقذه من المأزق الذي يعيشه، والرسالة الأهم التي حاول الكيان الصهيوني تمريرها من خلال هذه الاعتداءات هو فرض املاءاته وشروطه التي غالبا هو اول من يتنصل منها ولا يلتزم بها، هذه الاملاءات يريد الكيان الصهيوني فرضها على الجميع دون استثناء بما فيهم الوفد المفاوض، كما يريد الكيان الصهيوني ان ينقل الخوف الى معسكر المقاومة الفلسطينية سيما قادة حركة حماس انهم ليسوا في مأمن سواء داخل الأراضي المحتلة الفلسطينية أو خارجها.
فالاعتداءات الصهيونية ما كانت لتكون لولا الحماية الامريكية التي توفرها له، وتحميها من جميع الادانات والمتابعات القانونية سواء على مستوى مجلس الامن الدولي أو حتى تحدى الهيئات القضائية الدولية، في مقابل ذلك ولتحقيق أهدافه يصر الكيان الصهيوني الغاصب على الإساءة لصورة الولايات المتحدة الامريكية حتى أمام أقرب حلفاءها، فالقواعد العسكرية الامريكية في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط على وجه الخصوص هي الأكثر انتشارا مقارنة بباقي دول العالم، بمعنى ان الدول التي توجد بها قواعد عسكرية أمريكية هي تحت حماية المظلة الامريكية، غير ان الكيان الصهيوني كسر هذا التقليد او العرف العسكري، في وقت الذي تبذل فيه الولايات المتحدة الامريكية الجهود لإيجاد حل للازمة الروسية الأوكرانية، والاستعداد للحرب التجارية المندلعة بينها وبين الصين الشعبية سيما بعد الإجراءات الجمركية القاسية التي اتخذها الرئيس الأمريكي ترامب عقب الوصول إلى سدة الإدارة الامريكية.
إن الاعتداءات الصهيونية على السيادة القطرية يضع منظومة الامن لدول الخليج العربي في مأزق حقيقي، أمام الضوء الأمريكي والبحث عن الخيارات المتاحة، فمنظومة الامن لدول الخليج العربي التي كانت ترتكز أساسا على اتفاقيات الدفاع المشتركة مع الولايات المتحدة الامريكية وشراء أحدث الأسلحة من أمريكا والدول الاوربية الغربية، وتعززت مؤخرا بتوقيع اتفاقيات تطبيع مع الكيان الصهيوني وتبادل البعثات الدبلوماسية سيما دولة الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، يدفع بمنظومة الامن الخليجية البحث عن خيارات متاحة الأكيد لن تكون بديل للخيارات السابقة الذكر نظرا لعدة ظروف لا يسع المجال لذكرها، وانما خيارات تعزز امنها وتدفع تدريجيا نحو الاستقلالية الممكنة مع الولايات المتحدة الامريكية، هذه الخيارات سوف تبدأ بتعزيز الانتماء للمحيط او النظام الإقليمي العربي، عبر دعم الاستقرار والتوقف عن دعم حركات التمرد في السودان وتعزيز الحوار الليبي ولململة الصف اليمني وإعادة بعث سوريا والوقوف الى جنب الدولة اللبنانية، منظومة الامن الخليجي ادركت ان امنها مرتبط ارتباطا وثيقا بالمنظومة الكلية للنظام الإقليمي العربي وهشاشتها سوف يكون لها الانعكاس المباشر عليها، ويجعلها في قلب صراعات الشرق الأوسط من تدخلات إيرانية مباشرة واعتداءات صهيونية تمس بسيادتها في ظل اتخاذ الولايات المتحدة الامريكية موقف المتفرج، ولعل انعقاد القمة العربية بالدوحة سريعا يصب في هذا الاتجاه، دون اغفال الدور الجزائري المساند والمتضامن مع دولة قطر بالإسراع بإصدار بيان تنديد، والدعوة لانعقاد جلسة طارئة لمجلس الامن الدولي لمناقشة هذا الاعتداء السافر من الكيان الصهيوني، كما ستعمل منظومة الامن الخليجي على الاستفادة من زخم الدول الإسلامية المتمثلة في منظمة التعاون الإسلامي، لخلق جبهة ليست ندا للغرب ولكن مساندة لها في قراراتها، وهذا ما تم بالفعل من انعقاد دورة لها في العاصمة القطرية الدوحة، ويبقى الخيار الصعب لمنظومة الامن الخليجي في استقلالية التسليح والتوجه نحو روسيا واقتناء منظومة دفاع جوي متطورة تحمي أجواءها، هذا الاجراء سوف يصدم بالرفض الأمريكي وتفعيل عديد القوانين التي هي في يد الدولة الامريكية للحفاظ على حلفائها، منظومة الامن الخليجي لن تكون ندا للكيان الصهيوني الذي يحظى بدعم امريكي وغربي غير محدود، لكن سوف تسعى لحفظ ماء الوجه.
