من القواعد الثابتة في عرف قيام واستمرار الدولة، أن يرتكز النجاح على أربعة أركان (الشعب والسلطة والإقليم)، ويزيد عليها فلاسفة السياسة ركن رابع، هو القدرة على صناعة الأمل الفسيح،ومن خلال متابعة أولية للاستعراض العسكري الذي أنجزه بكل احترافية شباب المؤسسة العسكرية الذين أعادوا التأكيد على الوفاء لجيش التحرير الوطني، محطم الأسطورة الاستعمارية الغربية، والمساهم في تحرير كثير من الشعوب المظلومة.
لقد زاد من كثافة رسالة الجزائر في الاستعراض العسكري بمناسبة سبعينية ثورة أول نوفمبر المباركة التشبث بالقيم العليا التي أبعت في بنائها ثورة أول نوفمبر المباركة، تحتاج إلى المسارعة إلى الاستثمار في رسائل الاستعراض وتحويلها إلى قوة دافعة وطاقة خلاقة لانجاز المهام الكبرى التي تتناسب مع تطلعات الأمة وأحلام الأجيال الجديدة.
إن الاستعراض العسكري يمثل إرادة الأمة وتطلع الشعب الجزائري وحرصه على التمسك بتاريخه وإصراره على الصمود في حماية ذاكرته التاريخية والمنافحة على مستقبله، كما يمثل وفاء للشهداء والمدافعين عن الجزائر في مختلف الحقب التاريخية، وهو رسالة مهمة تحمل دلالات قوية للأجيال الجديدة، وبالذات الشباب الذين هم بحاجة اليوم إلى جهود تماثل تلك الجهود التي تبذلها المؤسسة العسكرية سليلة جيش التحرير الوطني، وفي مقدمتها الميثاق المقدس (رابطة جيش أمة) .
ومن المقتضيات الضرورية التي يفترض أن تنتج عن هذا الاستعراض العسكري، أن يكون من الواجب على النخب و المؤسسات الوطنية والقوى الحية في البلاد، القيام بواجبها التاريخي والأخلاقي في مؤازرة المشروع التنموي الوطني، عبر إنتاج المحتوى القيمي والاتصالي المناسب لتطلعات الأجيال الجديدة، والإجابة عن الأسئلة الملحة اليوم، وتنتج المفاهيم والسلوكات والمواقف القادرة على تطوير الجزائر و تعزيز مكانتها الدولية.
وفي هذا السباق، فإن الرسالة التي ترسلها الجزائر عبر الاستعراض العسكري في الذكرى السبعين لثورة أول نوفمبر المباركة، تبقى معبرة عن عقيدة الدولة و الأمة الجزائرية الأصيلة عبر المواقف الإنسانية الراسخة في مناصرة الشعوب المظلومة والوقوف إلى جانب الحق و العدل والمساواة بين الشعوب و الثقافات و الحضارات.
إننا جميعا اليوم بحاجة إلى القيام بواجب تاريخي يرتكز على فهم حصيف لرسالة الاستعراض العسكري المؤكد على وفاء الجيش الوطني الشعبي لجيش التحرير الوطني، محرر الشعوب ومستعيد السيادة الوطنية، تلك المؤسسة التي أكدت في كل مناسبة أنها وفية للجزائر وحريصة على حماية مصالحها العليا.
كما يكون من المفيد أن تنتج قراءة صحيحة لرسالة الجزائر في ذكرى سبعينية ثورة أول نوفمبر المباركة، وهي القراءة الفاحصة والذكية، التي تقع مهمتها على النخب و المؤسسات والقوى الحية في البلاد، لتحوياها إلى طاقة إنتاجية دافعة وفاعلة في الساحة نحو تنمية حقيقية وعيش سليم ينسم مع مضامين الجزائر الجديدة وتطلعات الشعب والأجيال القادمة.
إن المهام الدستورية التي تقوم بها المؤسسة العسكرية، في حماية البلاد والدفاع عن السيادة وصون الحدود من الأخطار، تحتاج اليوم إلى جهود مماثلة في المضامين والسلوكات، لتعميق الوعي الجماعي بمكانة الجزائر وجدارتها التاريخية، وترسيخ ذلك في ذهنيات ونفوس الشباب، وهذا لا يكون إلا إذا تمكنت النخب من مجارات الرهانات الدولية والتطلعات الكبرى للشعب الجزائري، وما تعمل عليه القيادة العليا للبلاد، وذلك عبر التحكم في التكنولوجيات الحديثة، واكتساب المهارات القادرة على النهوض بالبلاد، اقتداء بجيل نوفمبر الفريد، الذي طهر البلاد وحرر عدد كبير من الشعوب من أبشع استعمار عرفه التاريخ، وزرع واسع الأمل بعد يأس دام سنوات طويلة.
إن الاستعراض العسكري هو رسالة مفادها، أن إمكانية صناعة الأمل الفسيح وفرصته ممكنة، وأن الشعب الجزائري مصر على السير في مواصلة بناء البلاد وتطويرها، لتكون في مصاف الأقوياء من الدول وهو رسالة أمل للعالم في نشر السلام وتكريس التعايش وإقامة العدل والمساواة، ومواجهة الظلم والعدوان مهما كانت جهة التي تنتجه أو الجهة التي يقع عليها.