رسم صندوق النقد الدولي في أحدث تقاريره صورة متفائلة لمسار الاقتصاد الجزائري خلال الفترة الممتدة من 2020 إلى 2030، متوقعًا نموًا استثنائيًا للناتج المحلي الإجمالي يتجاوز 150%، ليصل إلى 411 مليار دولار بحلول عام 2030. هذه التوقعات تضع الجزائر في مصاف الاقتصادات الصاعدة إذا ما واصلت تنفيذ الإصلاحات الكبرى التي باشرتها الدولة بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون.
نمو قياسي بعد جائحة كورونا
بحسب تقرير مشاورات المادة الرابعة، شهد الاقتصاد الجزائري انتعاشًا قويًا عقب أزمة كوفيد-19. فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 160 مليار دولار سنة 2020 إلى 247 مليار دولار في 2022، أي بزيادة تقارب 27% في عام واحد، مدفوعًا بانتعاش أسعار الطاقة وعودة النشاط الصناعي والتجاري. ومن المنتظر أن يستقر النمو عند وتيرة متوسطة خلال السنوات المقبلة، بمعدل سنوي يناهز 6.5%، ليبلغ الاقتصاد الجزائري 411 مليار دولار سنة 2030.
ما يميز هذه التوقعات أنها تتقاطع مع الرؤية الاقتصادية الوطنية، حيث سبق لرئيس الجمهورية أن وضع هدفًا استراتيجياً يقضي ببلوغ 400 مليار دولار للناتج المحلي الإجمالي في أفق 2027. وهو ما يعكس الانسجام بين المؤشرات الدولية وخطة الدولة الرامية إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز مكانة الجزائر في الساحة الاقتصادية العالمية.
وتعتمد هذه الإستراتيجية على إصلاحات هيكلية واسعة، تطوير الطاقات المتجددة والصناعات التحويلية، وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بما يضمن الانتقال من اقتصاد ريعي يعتمد على المحروقات إلى اقتصاد متنوع ومستدام.
أما على مستوى المؤشرات الاجتماعية، فيتوقع الصندوق أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد ذروته سنة 2025 عند 5.965 دولار، قبل أن يشهد استقرارًا طفيفًا بين 2026 و2030 ليستقر عند حدود 6.032 دولار في نهاية العقد. ورغم هذا الركود النسبي، فإن المتوسط يظل أعلى بكثير مقارنة بمرحلة ما قبل الجائحة، ما يعكس تحسن القدرة الشرائية ومستويات المعيشة بشكل تدريجي.
وفي جانب التوصيات، شدد صندوق النقد الدولي على ضرورة تحرير أكبر لسعر الصرف بهدف تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني وقدرته على امتصاص الصدمات الخارجية. كما أثنى على الإصلاحات التي باشرها بنك الجزائر في مجالات الإشراف المصرفي وإدارة الأزمات المالية، داعيًا في الوقت نفسه إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية لدعم القطاع الخاص وتحسين مناخ الأعمال.
سلّط التقرير الضوء على القوانين الجديدة الخاصة بالاستثمار والعقار، إلى جانب المنصة الرقمية الموحّدة التي أطلقتها الحكومة لتبسيط الإجراءات الإدارية. واعتبر هذه المبادرات إشارات قوية للمستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب، بأنها تعكس إرادة سياسية جادة لجعل الجزائر وجهة أكثر جذبًا لرؤوس الأموال.
كما أشار إلى أن المشاريع الكبرى في مجال الطاقة المتجددة، البنى التحتية، والصناعات المنجمية ستسهم في خلق بيئة أعمال ديناميكية وتوسيع قاعدة الصادرات خارج المحروقات.
خلص التقرير إلى أن الجزائر تتوافر على مقومات اقتصادية هائلة تؤهلها لتحقيق نقلة نوعية خلال العقد الجاري، شريطة الحفاظ على زخم الإصلاحات وتعزيز مرونة الاقتصاد أمام تقلبات الأسواق العالمية. هذا التوافق بين تقديرات صندوق النقد الدولي والأهداف الوطنية يعكس مؤشراً قوياً على أن الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو الانضمام إلى نادي الاقتصادات الصاعدة، ما يمنحها مكانة محورية في إفريقيا وحوض المتوسط.
