من بين القضايا المعاصرة المهددة للكون نجد قضية التغير المناخي حيث برزت بشكل واضح في العقود الأخيرة وأصبحت حديث المهتمين وغيرهم من المختصين في هذا الشأن ونجد كثير من الأطروحات والنظريات العلمية المفسرة للظاهرة في أسبابها وتداعياتها و باعتبار أن التهديد المناخي يمس البشرية بشكل أو آخر من حيث المخلفات التي يخلفها نتيجة ذلك ومن هنا يمكن أن نشير في حديثنا أن قضية المناخ ليست سهل التناول بل قضية معقدة و متداخلة فيها عدة إشكاليات مرتبطة بعضها البعض بحيث لا يمكن فهم أي سبب دون معرفة العوامل المساهمة في عملية التغير المناخي ولذا سوف نحاول التطرق لذلك بدءا بالتأصيل للمفهوم ونأخذ على سبيل المثال ما تناولته الأمم المتحدة “يشير تغير المناخ إلى التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. يمكن أن تكون هذه التحولات طبيعية، بسبب التغيرات في نشاط الشمس أو الانفجارات البركانية الكبيرة. ولكن منذ القرن التاسع عشر، كانت الأنشطة البشرية هي المحرك الرئيسي لتغير المناخ ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز و ينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تعمل مثل غطاء ملفوف حول الأرض، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة” كما تشير معظم الأبحاث والدراسات أن المقصود بالتغير المناخي هو وجود اضطراب في المناخ والطقس بشكل مستمر حيث الجو لم يصبح معبر عن فصله وتوقيته بالإضافة الى حدوث توقعات غير منتظرة مثل الفيضانات وظاهرة الجفاف وتقلص سقوط الأمطار مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل قياسي خاصة خارج موسمها بمستويات حسب مؤشرات قياس بزيادة 2° عن سطح الأرض في كل سنة ضف الى ذلك زيادة الطلب العالمي على الطاقة والمياه علما ان مخلفات استخراج النفط والغاز كبيرة على الطبيعة مما ينعكس ذلك على المناخ بطريقة مباشرة ومن العوامل أيضا المؤثرة على المناخ نلاحظ ظاهرة المتمثلة في زيادة التمدن حيث أن التمركز الديمغرافي أصبح بشكل كبير في المدن الكبرى مما أدى إلى زيادة العمران في الأماكن الطبيعية مما أدى ذلك الى القضاء على الأراضي الطبيعة وتعويضها بالبنايات والمصانع والآلات و مع زيادة حركية النقل من السيارات والقطارات والحافلات إنعكس بشكل غير متوازن على النمو الديمغرافي وهذه العملية تأثر بشكل مباشر على المناخ .
إن التقدم الذي عرفته الإنسانية بصفة عامة ودخولها في نمط الاستهلاكي كثقافة بشرية زاد من الطلب على كل الوسائل المؤدية لتحقيق الرفاهية والعيش وفي مقابل ذلك زادت تكلفة غازات الدفيئة الرئيسية التي تسبب تغير المناخ ثاني أكسيد الكربون والميثان الآتية من استخدام البنزين لقيادة السيارة أو الفحم لتدفئة مبنى، كما يؤدي تطهير الأراضي وقطع الغابات أيضًا إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون، و تعد الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين القطاعات الرئيسية المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ان موضوع المناخ وما ينجر عنه من اثار على مستوى القريب والبعيد يتطلب منا فهم خطورة هذا التهديد الناعم الذي يضر بالتواجد الإنساني ويهدد صحته لذا فهناك سلوكيات وافعال بسيطة إنسانية لكن تداعياتها كارثية على البيئة والمناخ مثل رمي الاوساخ في الفضاءات العمومية، غياب عمليات التشجير ، البناء وكثافته غير مدروسة على مستوى المدن الكبرى مع اختلاط السكن بالمناطق الصناعية والتجارية وبالتالي فالوعي ضروري جدا لتقليل من تزايد الفجوة المناخية.
الجهود الدولية لتقليل من آثار تغيرات المناخية
ولمجابهة هذه الظاهرة عكف المجتمع الدولي بمختلف مؤسساته بتقديم عدة اقتراحات في شكل اتفاقيات دولية منها اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية لتغير المناخ 1992 اتفاقية كيوتو 2005 واتفاقية باريس 2015وتنص معظمها على خفض الانبعاثات، التكيف مع تأثيرات المناخ، وعملية التمويل وعقدت مؤتمرات وندوات في هذا الشأن لتحسيس حول خطورة التغير المناخي على البشرية بصفة عامة ولكن الملاحظ في ذلك أن النصوص الاتفاقيات والعمل المقدم في هذا المجال لم يصل إلى ما هو مأمول وهذا يرجع إلى عدة الأسباب ومعوقات ويمكن تفسير ذلك أن المتسبب الأول في التطرف المناخي يعود الى السياسات الدول الكبرى بحد ذاتها حيث تتعامل مع الموضوع بنوع من الازدواجية والانتقائية حيث تتواجد الشركات الكبرى سواء في الطاقة أو المجال الصناعي المسببة للكوارث البيئية في عمليات الاستخراج المفرط للثروات الطبيعية دون أخذ بعين الاعتبار المعايير البيئية المهددة للبشرية بالإضافة إلى عدم التزام هذه الدول بما جاء من اتفاقيات الدولية المنبثقة من الهيئات الرسمية مثل الأمم المتحدة ونذكر على سبيل الدليل خروج الولايات المتحدة الامريكية منها وهذا يعد بحد ذاته اعتراف ضمني بتجاوزات في المجال المناخي بالرجوع الى صناعاتها الثقيلة وشركاتها الكبرى كما يمكن إشارة الى ان الدول وخاصة الكبرى منها لا يخدمها مثل هذه النصوص لانها تحد من مشاريعها الرأسمالية التجارية التوسعية في العالم ولذا نجد في الادبيات المناخية مصطلح مهم وهو العدالة المناخية التي تحمل في طياتها جوانب مهمة وإنسانية حيث تنطلق من مسلمة الأساسية أن موضوع المناخ يتحمل مسؤوليته الجميع ولا تقع فقط على الدول الضعيفة او ما يسمى بالدول الجنوب لذا فإن العدالة يستوجب على الدول الصناعية الكبرى تحمل الجزء الكبير من الحوادث المناخية التي تغيرت في العقود الأخيرة بفاعل سياساتها التوسعية الصناعية في العالم لذا بات من الضروري إعطاء جزءا كبير للجانب الأخلاقي والاجتماعي لتحقيق العدالة المناخية.
