اختتمت منظمة الأمم المتحدة دورتها 80 التي انعقدت شهر سبتمبر المنقضي، بحضور عديد القادة من رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية ومن يمثلون دولهم، لكن الملاحظ أنه انعقاد هذه الدورة تميزت بعديد الملاحظات، لعل أبرزها مشاركة الرئيس الأمريكي شخصيا في هذه الدورة، والقاءه لخطاب يكرس نظرته ونزعة الولايات المتحدة الامريكية إزاء المنتظم الدولي، كما تميزت هذه الدورة في استمرار عديد النزاعات الحربية على غرار ما يحدث في أوكرانيا المدعومة من قبل الغرب الليبرالي، في حربها ضد روسيا، واستمرار الانتهاكات الجزيمة التي يرتكبها الكيان الصهيوني إزاء المدنيين العزل في قطاع غزة المحاصر والمنكوب، هذه الصورة وحدها كفيلة لوضع تصور شامل لمنبر السلام والحوار وحل النزاعات والحروب عن طريق الطرق السلمية والحفاظ على الامن والسلم الدوليين والحيلولة دون تكرار مأساة الحرب العالمية الثانية وما نجم عنها من دمار هائل.
منبر السلام والذي يفترض أن يكون المكان الأنسب لبعث خطابات الود والتعاون والتعارف بين الدول والمجتمعات البشرية بمختلف أعراقها ودياناتها وعاداتها وتقاليدها، لكن تحول هذا المنبر إلى مكان لتبادل التهم والطعن في تاريخ الدول ودورها في الحفاظ على الأمن والاستقرار، ولعل ما أقدم عليه مندوب وممثل دولة مالي من خلال هذا المنبر في التهجم على سيادة الجزائر واتهامها بتهم واهية، متناسيا الدور الكبير الذي لعبته الدولة الجزائرية في الحفاظ على امن واستقرار هذا البلد الجار والحفاظ على وحدته الترابية، وفتح أبوابها لكل الفرقاء الماليين للحوار وتبادل وجهات النظر من أجل الوصول إلى حلول سلمية تحقن الدماء وتحبط مؤامرات الأعداء ومغامراتهم بالعبث بمقدرات الدولة المالية.
إن تكرار الحادثة في منبر الأمم المتحدة للعام الثاني على التوالي يطرح أكثر من تساءل ويشير إلى من غاية وهدف يسعى وراءه الطرف المالي، كما هو معروف السلطة الانتقالية في بامكو لها عدائية مفرطة إزاء العديد من الدول منها مجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا التي انسحبت منها، وعدائية إزاء الدولة الفرنسية الاستعمارية السابقة، الأكيد ان الفعل ليس عفوي ولا يقف وراءه السلطة الانتقالية العسكرية الحاكمة في بامكو، فهي عاجزة عن مواجهة مشاكلها الحقيقية من اعلان حوار سياسي حقيقي بين مختلف الفاعلين في الساحة السياسية المالية بل قامت بحل جميع الأحزاب وحظر نشاطها، هذه السلطة العاجزة عن ضبط الامن والحفاظ على حياة الرعايا الأجانب بإصدار بيانات رسمية باختفائهم واختطافهم ثم تقوم بسحب هذه البيانات وتعلن انها مفبركة في تناقض وعدم اتزان بين مختلف دوائر صنع القرار لهذه الطغمة العسكرية الحاكمة والمتنصلة من الاتفاقيات المساعدة على عودة الاستقرار والامن في البلاد، مما يشير أن هذه السلطة الانتقالية الفاشلة لم تعد لسان الماليين، بل تحولت من خدمة أجنداتهم في المنطقة في إطالة أمد الازمة وعرقلة مسار العودة للنظام الدستوري ومحاولة استنزاف الدول المجاورة، إلى لسان ناطق باسم القوى الوظيفية في الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، لمهاجمة الدولة الجزائر ومحاولة تعليق الفشل عليها، هذه القوى الوظيفية هي عاجزة عن القيام بذلك بنفسها فهي متورطة في عديد الازمات الدولية في السودان وليبيا والساحل، وتضع يدها مع الكيان الصهيوني بل وتفتح موانئها لاستقبال السفن المحملة بالأسلحة والذخيرة لإبادة المدنيين العزل في قطاع غزة المحاصر في وقت رفضت الدول الاوربية استقبالها.
إن اختيار منبر الأمم المتحدة هو محاولة يائسة لإحباط الدبلوماسية الجزائرية التي ما فتئت تبذل الجهود الكبيرة لانصاف الحق الفلسطيني منذ انتخابها في العضوية غير الدائمة لمجلس الامن الدولي، هذه الجهود الجزائرية التي يشهد له كل الدول الأعضاء في هذه المنظمة الأممية، أكدت أن القرار الجزائري سيد وغير قابل للمساومة ولا الابتزاز مما أثار حفيظة بعض الدول التي ركبت موجة التطبيع في الآونة الأخيرة، ولم تجد الفرصة الأمثل من استغلال منبر السلام الاممي وعبر الطغمة الانقلابية الحاكمة في مالي لمهاجمة الجزائر في الدورة الثامنين للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة بمقرها في مدينة نيويورك الامريكية، ومحاولة تشويه الصورة واحباط العزيمة، فكل الجهود الجزائرية في العضوية غير الدائمة كانت موجهة لخدمة القضايا العربية وعلى راسها القضية الفلسطينية وخدمة الامن والاستقرار في العالم ولم توجه للمصالح الجزائرية وان كان هذا حقها.
إن السقطة المالية في منبر الأمم المتحدة سواء كان العام الماضي والعام الحالي، واجتها الدبلوماسية الجزائرية بحكمة، وعقلانية الفعل والتاريخ والنأي عن التورط في زعزعة استقرار الدول والمساس بأمنها، ومع ذلك استلزم هذه المرة الرد الحازم من قبل وزير الخارجية الجزائري، منبر السلام يجب ان يتم احترامه، والدول التي تدوس دساتيرها يجب عليها ان تحترم ميثاق الأمم والالتزام بالسلام والحوار والتعاون، ما قامت به السلطة الانقلابية في بامكو لا بد ان يتابع بحزم من القائمين على تنظيم الدورة سيما في الوضع الخطير الذي يمر به المنتظم الدولي من تنامي الحروب والنزاعات بين الدول، ومهما حاولت السلطة الانقلابية احراج الجزائر لن تفلح فتاريخ الجزائر وتاريخ العلاقات بين الجزائر ومالي ضارب في عمق التاريخ والحضارة ولن يتأثر بنزوات طغمة انقلابية تتحكم فيها قوى وظيفية.
