بات مصطلح “الذكاء الاصطناعي” كثير الاستخدام هذه الأيام، لدرجة أن البعض أصبح يتخوف من أنه قد يعني سيطرة الآلات واضمحلال دور البشر، رغم أن الواقع ما يزال بعيدا جدا عن الاقتراب من هذا التصور، فما الذكاء الاصطناعي؟ وما أبرز مظاهره؟ وإلى أين وصل تطوره؟.عرف الذكاء الاصطناعي بأنه الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة، كما أنه اسم لحقل أكاديمي يعنى بكيفية صنع حواسيب وبرامج قادرة على اتخاذ سلوك ذكي .تعود جذور الذكاء الاصطناعي إلى بداية أربعينيات القرن الماضي حين اقترح بعض العلماء نموذجاً للخلايا العصبية الاصطناعية، وقد برز مفهوم الذكاء الاصطناعي بصفة كبيرة في بداية الخمسينيات من القرن الماضي عندما أثار العالم البريطاني “آلان تورنج “”Alan Turing التساؤل حول قدرة الآلة على التفكير ومنذ ذلك الوقت شهد الذكاء الاصطناعي موجات من الازدهار والركود أو ما يُسمى (بشتاء الذكاء الاصطناعي) إلى أن وصل إلى الانتشار الواسع الذي نشهده اليوم في شتى المجالات، الآن يستخدم الذكاء الإصطناعي أربع تقنيات بارزة في عمله نبدأ :- بتعلم اللغة : حيث تنقسم إلى أربع طرق .أولها التعلم الموجه حيث تبرمج العلاقة بين المدخلات والمخرجات عن طريق مجموعة بيانات مصنفة من قبل المستخدم ,ثانيها التعلم غير الموجه لإستخلاص أنماط عن طريق مجموعة بيانات غير مصنفة من قبل المستخدم, ثالثها التعلم المعززللتفاعل مع البيئة المحيطة عن طريق المحاولة والخطأ والسعي إلى تحقيق أعلى النتائج آخرها التعلم العميق بإستخدام شبكات عصبية بطبقات متعددة لمعالجة البيانات، وقد يكون موجهاً أو غير موجه أو يكون مُعزِزاً للقدرات البشرية في إنجاز المهام.- رؤية الكمبيوتر :الذي يستخدم تقنيات التعليم العميق في استخراج المعلومات والرؤى من مقاطع الفيديو والصور. باستخدام رؤية الكمبيوتر، يستطيع الكمبيوتر فهم الصور تمامًا مثل ما يفهمها العنصر البشري. يُمكنك استخدام رؤية الكمبيوتر في مراقبة المحتوى عبر الإنترنت بحثًا عن صور غير لائقة، وفي التعرف على الوجوه، وفي تصنيف تفاصيل الصور و هو مهم جدًا في السيارات والشاحنات ذاتية القيادة مراقبة البيئة وفي اتخاذ قرارات في جزء من الثانية. – الذكاء الاصطناعي المولّد :الذي يشير إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكنها إنشاء محتوى جديد وعناصر جديدة مثل الصور ومقاطع الفيديو والنصوص والصوت من أوامر نصية بسيطة. على عكس الذكاء الاصطناعي السابق الذي كان يقتصر على تحليل البيانات، فإن الذكاء الاصطناعي المولّد يعزز التعليم العميق ومجموعات البيانات الضخمة لإنتاج مخرجات إبداعية مبتكرة عالية الجودة تشبه ما ينتجه العنصر البشري. في ظل تمكين التطبيقات الإبداعية المثيرة، بشكل عام، يُمثل الذكاء الاصطناعي المولّد تطورًا كبيرًا في إمكانيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى جديد وعناصر جديدة بطريقة تشبه ما ينشئه العنصر البشري.- التعرف على الكلام :الذي يستخدم برامج و نماذج التعليم العميق في تفسير الكلام البشري، وتحديد الكلمات، واكتشاف المعنى. يمكن “للشبكات العصبونية” تحويل الكلام إلى نص والإشارة إلى المشاعر الصوتية. يُمكنك استخدام ميزة التعرّف على الكلام الموجودة في تقنيات مثل أدوات المساعدة الافتراضية وبرامج مركز الاتصال لتحديد المعنى وتنفيذ المهام ذات الصلة نصل الآن إلى لب الموضوع حيث برز الذكاء الإصطناعي بسرعة كتقنية تحويلية لديها القدرة على إحداث ثورة في مختلف جوانب حياتنا. ومع ذلك، مثل أي تقدم تكنولوجي، يأتي الذكاء الاصطناعي مع مجموعة من المزايا والعيوب الخاصة به. سوف تتعمق هذه المقالة في عيوب الذكاء الاصطناعي، مثل المخاوف الأخلاقية، ونزوح الوظائف، والمخاطر الأمنية، قبل استكشاف الفوائد التي يقدمها، بما في ذلك زيادة الكفاءة، والتقدم في الرعاية الصحية، وتحسين تحليل البيانات. وأخيرا، سنناقش استراتيجيات الموازنة بين هذه العيوب والفوائد من خلال القواعد التنظيمية، وبرامج إعادة التدريب، وتعزيز الشفافية في تطوير الذكاء الاصطناعي.ورغم أن الذكاء الاصطناعي يعد بفوائد عديدة، فإنه يثير أيضاً مخاوف أخلاقية كبيرة. إحدى القضايا الرئيسية هي عمليات صنع القرار في أنظمة الذكاء الاصطناعي، والتي قد تفتقر في بعض الأحيان إلى الشفافية والمساءلة. على سبيل المثال، في حالة المركبات ذاتية القيادة، تنشأ أسئلة حول كيفية قيام خوارزميات الذكاء الاصطناعي بإعطاء الأولوية لحياة مختلفة في سيناريوهات الحوادث المحتملة. علاوة على ذلك، فإن احتمال التحيز في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، سواء بوعي أو بغير وعي، يمكن أن يؤدي إلى إدامة عدم المساواة المجتمعية. علاوة على ذلك، أدى ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى مخاوف بشأن إزاحة الوظائف حيث تحل الروبوتات محل العمال البشريين في مختلف الصناعات. على سبيل المثال، أدى ظهور روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في أدوار خدمة العملاء إلى انخفاض فرص العمل البشرية ومن ناحية أخرى، يقدم الذكاء الاصطناعي العديد من المزايا التي لا يمكن تجاهلها. يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على تعزيز الكفاءة والإنتاجية بشكل كبير عبر الصناعات من خلال قيامه بالمهام المتكررة وتبسيط العمليات. وفي قطاع الرعاية الصحية، أظهرت التشخيصات والعلاجات المدعومة بالذكاء الاصطناعي نتائج واعدة للغاية في تحسين نتائج المرضى وتقليل الأخطاء الطبية. على سبيل المثال، يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل فحوصات التصوير الطبي بدقة وسرعة أكبر من أخصائيي الأشعة البشرية، مما يؤدي إلى الكشف المبكر عن الأمراض. بالإضافة إلى ذلك، يمكّن الذكاء الاصطناعي المؤسسات من اتخاذ قرارات تعتمد على البيانات من خلال توفير رؤى من خلال التحليلات المتقدمة، وبالتالي تحسين التوقعات وتحسين استراتيجيات النموللاستفادة بشكل فعال من فوائد الذكاء الاصطناعي مع التخفيف من عيوبه، يعد اتباع نهج متوازن أمرًا ضروريًا حيث يعد تنفيذ اللوائح والمبادئ التوجيهية الأخلاقية أمرًا بالغ الأهمية لضمان التطوير والنشر المسؤول لتقنيات الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، توضع اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في أوروبا معايير لحماية البيانات والخصوصية في عصر الذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، فإن الاستثمار في برامج إعادة تدريب العمال الذين تتعرض وظائفهم لخطر الزوال يمكن أن يساعد في تخفيف التأثير السلبي الناجم عن إزاحة الوظائف. ومن خلال تزويد الأفراد بالمهارات اللازمة للاقتصاد القائم على الذكاء الاصطناعي، يمكن للمجتمعات الانتقال بشكل أكثر سلاسة إلى المستقبل. وأخيرًا، يعد تعزيز الشفافية والمساءلة في عمليات تطوير الذكاء الاصطناعي أمرًا ضروريًا لبناء الثقة بين المستخدمين والتخفيف من سوء الاستخدام المحتمل لتقنيات الذكاء الاصطناعي.في الختام، يمثل الذكاء الاصطناعي سلاحًا ذو حدين، وله عيوب وإيجابيات تتطلب دراسة متأنية. من خلال معالجة المخاوف الأخلاقية، ومخاطر إزاحة الوظائف، والقضايا الأمنية مع الاستفادة من مكاسب الكفاءة، والتقدم في الرعاية الصحية، وتحسينات تحليل البيانات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، يمكننا تحقيق توازن يزيد من فوائد هذه التكنولوجيا إلى الحد الأقصى مع تقليل عواقبها السلبية. ومن خلال مجموعة من اللوائح وبرامج إعادة التدريب وجهود الشفافية، يمكننا التنقل في المشهد المعقد للذكاء الاصطناعي والتوجه نحو مستقبل يعمل فيه الذكاء الاصطناعي في انسجام مع الإنسان.
بقلم : عماد بولقواس