حقّقت المنتجات الوطنية الموسومة بشعار “صُنع في الجزائر” خلال السنوات الأخيرة قفزة نوعية في الأداء والجودة والتسويق، لترسّخ مكانتها في السوق المحلي وتفرض حضورها بشكل متزايد في الأسواق الخارجية، في سياق سياسة تنموية شاملة وضعتها الدولة الجزائرية تهدف إلى تقليص التبعية للمحروقات وتنويع الاقتصاد الوطني.
فمنذ تولّي رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، مقاليد الحكم، وُضعت خارطة طريق جديدة تقوم على تنشيط النسيج الإنتاجي، وتحفيز الصادرات خارج قطاع الطاقة، مما ساهم في خفض فاتورة الاستيراد بما يقارب 20 مليار دولار، ورفع حجم الصادرات غير الطاقوية بشكل متواصل، وهو ما تجلّى في المنتجات الفلاحية، والحديد، والإسمنت، والمنتجات الغذائية والكهرومنزلية.
دعم رئاسي وإصلاحات هيكلية
وفي هذا السياق، حرصت الدولة، بتوجيه مباشر من رئيس الجمهورية، على تكريس مناخ اقتصادي محفّز، يقوم على إصلاحات جوهرية شملت تعديل قانون الاستثمار، وتبسيط الإجراءات، وتوفير بيئة أعمال أكثر جاذبية. وقد أثمرت هذه السياسة بتحقيق نمو اقتصادي تراوح معدله السنوي بين 4% و4.2% في الفترة بين 2022 و2024، بالرغم من التحديات الإقليمية والدولية الناجمة عن التوترات في الشرق الأوسط والبحرين الأحمر والأسود.
وتُرجمت هذه النجاحات بالأرقام والنماذج الميدانية، خصوصًا في القطاع الفلاحي الذي عرف ثورة إنتاجية حقيقية مكّنت الجزائر من تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المحاصيل، والتحوّل إلى بلد مصدّر نحو الأسواق الإفريقية والأوروبية.
معرض الجزائر الدولي.. واجهة للمنتوج الوطني
وشكّل معرض الجزائر الدولي في طبعته الـ56، تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية، منصة استراتيجية لعرض هذه القفزات الاقتصادية، حيث شاركت 539 مؤسسة جزائرية من القطاعين العام والخاص، أبانت عن تنافسية لافتة في عدة مجالات، كالصناعات الغذائية، الكهربائية، الكهرومنزلية، الميكانيكية، البناء، والخدمات.
وسجّلت الوحدات الإنتاجية التابعة لوزارة الدفاع الوطني حضورًا مميزًا، استقطب اهتمام المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين، نظير التقدّم التكنولوجي والدقة العالية التي تميز هذه المنتجات، ما يعكس الإمكانات الكبيرة التي يختزنها قطاع الصناعات الدفاعية كمكوّن داعم للاقتصاد الوطني.
آفاق تصديرية وتكامل إفريقي منتظر
ضمن نفس الديناميكية، تواصل الحكومة الجزائرية جهودها في الترويج للمنتوج الوطني بالخارج، حيث ترأّس وزير التجارة الخارجية وترقية الصادرات، البروفيسور كمال رزيق، اجتماعًا تنسيقيًا لمتابعة التحضيرات الخاصة بمعرض التجارة البينية الإفريقية، المرتقب تنظيمه في الجزائر من 4 إلى 10 سبتمبر 2025 بقصر المعارض.
ويُنتظر أن يشهد هذا الحدث الاقتصادي القاري مشاركة واسعة من الفاعلين الحكوميين والاقتصاديين من مختلف أنحاء القارة الإفريقية، بهدف تعزيز التعاون البيني، وتوقيع عقود تصدير للمنتجات الجزائرية، وتعميق الشراكات التجارية والصناعية بين الجزائر والدول الإفريقية.
وأكد الوزير رزيق على أهمية تضافر الجهود لإنجاح هذا الموعد الهام، وضرورة استغلاله لتكريس مكانة الجزائر كمركز اقتصادي محوري في إفريقيا، خاصة مع ما باتت توفره من منتجات محلية ذات جودة عالية ومعايير تنافسية.
نحو تموقع عالمي للمنتوج الجزائري
ويُجمع المتابعون للشأن الاقتصادي على أن شعار “صُنع في الجزائر” لم يعد مجرد علامة تجارية، بل بات يعكس مضمونًا تنمويًا شاملًا، تتقاطع فيه الرؤية السياسية مع الجهود الميدانية للمؤسسات الاقتصادية، لتقديم منتج يحمل بصمة جزائرية قادرة على المنافسة، والتصدير، والتوسع في الأسواق العالمية.
ومع استمرار مسار التحفيز والتحديث، تبدو آفاق المنتوج الجزائري واعدة، خاصة في ظل تنامي الثقة الداخلية، وارتفاع مؤشرات التصدير، وإطلاق مشاريع تنموية مكمّلة في مجالات المناجم، التحويل الصناعي، والزراعة الذكية، ما يؤهّل الجزائر لدخول مرحلة جديدة من السيادة الاقتصادية الحقيقية، بعيدًا عن الريع، وأكثر التصاقًا بإرادة الإنتاج والابتكار.
