الضمير الدولي أو الشارع العالمي تلك المظاهرات والوقفات التنديدية التي كانت تناصر القضايا العادلة في مختلف دول العالم، لم تعد موجودة او خف أثرها وتأثيرها بالرغم من الثورة الرقمية، وعليه تحاول المقالة البحث في الأسباب الاختفاء وهل سيعود وهل سوف تتأثر القضية الفلسطينية وما يجري من جرائم إبادة ممنهجة في قطاع غزة، ام الصوت الحر سوف يبقى ويعود ليعلوا صوته من جديد.
بعيدا عن الفاعليين الرسميين من رؤساء ووزراء حكومات سيما الغربية منها وتواطؤها المفضوح في السكوت عن جرائم الإبادة الجماعية التي ينفدها الكيان الصهيوني ضد المواطنين العزل في قطاع غزة، وصلت حتى منع الغداء والدواء وكل اساسيات الحياة الممكنة، كان الشارع العالمي الى وقت قريب جدا معروف بالتضامن إزاء القضايا الدولية العادلة في جميع انحاء العالم حتى مع الدول التي تكن العداء لحكوماتهم، هذا الضمير العالمي كان نابع من شيء أساسه وحدة الشعوب في المعمورة والحق في الحياة المشترك والكرامة، ففي خضم حرب الخليج الثانية والجرائم المروعة التي ارتكبتها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية خرجت جموع المتظاهرين في ابرز العواصم الغربية لندن باريس برلين وحتى نيويورك وواشنطن وغير من المدن الغربية دون الحديث عن المدن العربية وبقية دول العالم التي كانت تناشد وتضغط على حكوماتها الام بوقف هذه الانتهاكات وضرورة البحث عن الحلول السلمية، بل كانت ترفض حتى الحصار الاقتصادي الذي أدى إلى وفيات عديدة في صفوف الصغار وتدهور صحة المدنيين العزل، وكان هذا الضغط دوما يأتي بنتائج إيجابية فحكوماتهم منتخبة ديمقراطية وعليها ان تأخذ بعين الاعتبار راي الشارع ومطالبه، والامر لم يقتصر على حرب الخليج الثانية وحتى احتلال العراق بل شمل أيضا احداث البوسنة والهرسك غزو الصومال احتلال الفيتنام، بل كان الشارع والضمير العالمي يهب ويسارع حتى للحفاظ على البيئة في تلك الفترة الثورة الرقمية لم تصلها ذروتها بعد ولم تكن هناك وسائط التواصل الاجتماعي، وعليه كان السؤال وجيها اين اختفى هذا الضمير العالمي من احداث غزة وجرائم الكيان الصهيوني التي لم يجرؤ على ارتكباها حتى النازيون الالمان او الخمير الحمر في كمبوديا.
من المفترض في ظل الثورة الرقمية وسرعة تناقل المعلومة وتوثيقها في حينها ان يكون الضمير العالمي اكثر يقظة واكثر حركة ونشاطا للضغط على الحكومات الغربية لوقف دعمها وسكوتها عن جرائم الكيان الصهيوني في غزة الفلسطينية، هل استخدم الغرب رصاصة التكنولوجيا الرقمية لقتل هذا الضمير العالمي واختفاء الشارع الذي لطالما كان يعج بمناصرة القضايا العادلة في مختلف مناطق العالم بما فيها الإسلامية، لقد تزامن تفجير الثورة الرقمية مع احداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الامريكية، هذه الأخيرة قادت حربا كونية على الظاهرة الإرهابية ورفعت من خلال شعار من ليس معنا فهو ضدنا، هذه الحرب الكونية عرفت عديد الانتهاكات والتجاوزات وتسببت في مأسات الملايين من الأبرياء، رغم ان الشارع الدولي في تلك الفترة حاول الخروج في مظاهرات منددة بهذه الانتهاكات الا انه وجد نفسه يصطدم بالشعار الذي رفعته الولايات المتحدة الامريكية لتكون الرصاصة الأولى نحو القضاء على الضمير الدولي، هذا الضمير الذي كان يقض مضاجع الامبريالية الدولية المتوحشة التي تدوس على الكرامة البشرية في دول العالم الثالث على حساب المصلحة الغربية، ومن جهة أخرى استخدام بعض الجماعات الإرهابية التكنولوجيا الرقمية لفكرهم الأصولي الاقصائي بمساهمة القوى الغربية لانها كانت قادرة على منع ذلك ساهم أيضا في قتل هذا الضمير الدولي، وقبل التكنولوجيا الرقمية كان الاعلام موحدا والخط الافتتاحي يكون واحدا، والقرار كان يتخذ على مستوى الكوادر القيادية خصوصا أحزاب الخضر في الدول الغربية، ومن ثم الخروج الى الشارع حاملين رايات ولافتات موحدة وعرائض الى حكوماتهم تطالبها بضرورة الحلول السلمية، وترفع الشعار الدولي من أجل التضامن الكلي لشعوب المعمورة الواحدة، هذه الأحزاب اليسارية وأحزاب الخضر في ظل الثورة الرقمية تراجع أداءها وسيطرتها على الشارع بشكل ملحوظ بل انها تأثرت حتى بظاهرة العزوف الانتخابي وانتقلت من المعارضة الواقعية الفعلية الحقيقية، الى المعارضة الرقمية الافتراضية في مواقع التواصل الاجتماعي وما تتعرض له من اختراقات وتوجيه للراي العام، وبهذا تكون القوى الغربية قد تمكنت من ترويض الشارع الغربي وقتل الضمير الدولي، وفسح المجال واسعا للامبريالية المتوحشة المتغولة بأن تنفذ مشروعها الخبيث الهادف الى السيطرة على الثروة العالمية والدوس على القضايا العادلة.
وعليه فالتحرك المحتشم مما يحدث في غزة من قبل الضمير الدولي المتمثل في الاصيلين، هو عمل قامت على تنفيذه القوى الغربية منذ سنوات عديدة في مختبرات الكيان الصهيوني، بجعل الثورة الرقمية هي الرصاصة التي تقتل الضمير الدولي، فقوة الضمير الدولي كانت في وحدته وتمسكه بقيادته، لكن القوى الغربية عملت على تفكيكه وجعل كل فرد يتلقى المعلومة لوحده وبالتالي يعمل على تحليلها وتفكيكها بمفرده وبالتالي تتعدد التفسيرات ووجهات النظر مما يعزز الاختلاف ويقتل الوحدة، وزاد تأثير الثورة الرقمية مع تطور أجهزة وبرامج التجسس والاختراق واغراق العالم الافتراضي بكم هائل من الدعايات المغرضة والحقائق المزيفة.
مع كل هذا ما مصير القضية الفلسطينية ومما يحدث في غزة على وجه الخصوص، هل بغياب الضمير والشارع العالمي سوف يتم تصفيتها ويستمر الكيان الصهيوني في ارتكاب مجازره وافعاله الحمقاء دون رقيب ولا حسيب؟ في البداية يجب الادراك ان القضية الفلسطينية هي قضية عادلة وشجاعة اهل غزة امام الغطرسة الامبريالية العالمية وليس الكيان الصهيوني الذي هو أداة لتنفيذ الغطرسة، وحدها الشعوب من تؤمن بعدالة القضية وتدفع من اجلها الغالي والنفيس، وسوف تنتصر بفضل شجاعتها وحكمتها، أما عن الضمير الدولي فالثورة الرقمية لن تكون أكثر من مسكن ومخدر وليس رصاصة قاتلة، ففي كل شعوب العالم بما فيها الغربية هو من يحمل في قلبه ضمير التضامن مع القضايا العادلة ولعل الثورة الجزائرية خير مثال اذ وقف العديد من الفرنسيين الاحرار من أمثال موريس اودان وجاك فرجاس وغيرهم الكثير ليس ضد دولتهم الام وانما اختاروا صف الحق والعدالة، وهكذا سوف يعود الضمير الدولي اكثر قوة وتأثيرا لدعم القضية الفلسطينية والوقوف مع الشعب الفلسطيني حتى يتمكن من ممارسة حقه الكامل غير القابل للتصرف والتنازل وإقامة دولته كاملة السيادة وفق الشرعية الدولية.
