في قلب الصحراء الجزائرية، وتحديدًا من ولاية أدرار، يخطّ الفنان التشكيلي مزاولي عبد ربي مسيرته الفنية بخطى واثقة، مستندًا إلى موهبة مبكرة ودراسة أكاديمية، مكّنته من تشكيل هوية بصرية تعكس عمق التراث الصحراوي بروح معاصرة.
منذ ولادته عام 1998، أبدى عبد ربي ميلًا فطريًا نحو الرسم، الذي تحوّل في سن مبكرة إلى وسيلة للتعبير عن الخيال والشغف الداخلي. هذه الموهبة تطوّرت عبر السنوات، لتتبلور خلال دراسته في معهد الفنون الجميلة بمستغانم، حيث تخصّص في الرسم الزيتي، وهناك انطلقت رحلته في استكشاف الجذور الثقافية للجنوب الجزائري.
اللباس الصحراوي… فن وهوية
في أعماله التشكيلية، اختار عبد ربي أن يجعل من اللباس التقليدي الصحراوي محورًا رئيسيًا، معتبرًا إياه أكثر من مجرد زينة محلية. بالنسبة له، هو ذاكرة وهوية بصرية وثقافية متجذّرة، يجب إعادة تقديمها بفن معاصر يواكب التحولات الجمالية دون أن يفقد أصالته.
ويقول مزاولي إن توثيق هذه العناصر التراثية ليس فقط استحضارًا للماضي، بل هو استثمار بصري وجمالي يمكن أن يلهم الجيل الجديد ويشجعه على اكتشاف مواهبه ضمن سياق تراثه وهويته.
مسيرة فنية حافلة بالمشاركات
لم يكتفِ عبد ربي بالإنتاج الفني الفردي، بل شارك في العديد من الفعاليات الوطنية، من بينها:
- المهرجان الثقافي الوطني لطلبة مدارس الفنون بوهران،
- الصالون الوطني للفنون التشكيلية بعين صالح في طبعتيه الأولى والثانية (2023 و2025)،
- فعاليات محلية في أدرار ومستغانم، ضمن برامج تربوية وثقافية متعدّدة.
وقد نال المرتبة الثانية في مسابقة يوم الفنان بتاريخ 6 جوان 2023، التي نظّمتها وزارة الثقافة والفنون بالتعاون مع مدارس الفنون الجميلة بتيبازة ومستغانم، وجمعية الأمل للفن.
بين التشكيل والمسرح
امتدت تجربة عبد ربي الفنية إلى مجال المسرح، حيث عمل على تصميم السينوغرافيا في مدينة مستغانم، وشارك كممثل ضمن أعمال محلية. هذه التجربة أضافت إلى لوحاته بُعدًا دراميًا وبصريًا، مكّنها من أن تتجاوز الإطار التقليدي للعمل التشكيلي، وتكتسب لغة سردية تدمج الضوء والحركة والفضاء.
ويؤكّد الفنان أن الفن لم يكن بالنسبة له هواية فقط، بل أصبح جزءًا من هويته الشخصية. ويقول:
“الفن ما كانش مجرد هواية، بل أصبح جزء من هويتي. علّمني نشوف الجمال في التفاصيل، وخلّاني نوثّق تراث منطقتي ونتصالح مع ذاتي.”
نحو العالمية بروح الجنوب
يحمل عبد ربي طموحًا كبيرًا في تمثيل الجنوب الجزائري في تظاهرات دولية، ونقل صورة الفن التشكيلي الصحراوي إلى العالم. يؤمن بأن هذا الفن قادر على بناء جسور ثقافية بين الشعوب، وتعزيز حضور التراث في الخطاب الجمالي المعاصر.
ويضيف: “نحب نوصل بفني للعالم، ونخلي لوحاتي تحكي على ثقافتنا للناس اللي ما يعرفوهاش. نطمح نشارك في معارض دولية ونخلق فرص للفنانين الشباب في الجنوب.”
رسالة فنية وإنسانية
في كلمته الختامية، شدّد عبد ربي على أن “الفن ليس مجرد ألوان وأشكال، بل هو روح وهوية ورسالة”، داعيًا إلى مزيد من الاهتمام بالمواهب الصاعدة، خاصة في مناطق الجنوب، حيث تفيض الأرض بالكنوز الثقافية التي تنتظر من يكشف عنها ويقدّمها للعالم.
