ككل أربع سنوات ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 يشد المنتظم الدولي انظاره حول أهم حدث سياسي في العالم، ألا وهو الانتخابات الرئاسية الامريكية التي تعرف تنافسا شديدا أشهر قبل بداية الحملة الانتخابية بشكل رسمي، وذلك بتقديم كل حزب مرشحه المناسب والأوفر حظا للظفر برئاسة الإدارة الامريكية، هذه الانتخابات يقدم كل من الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي مرشحه عبر عملية معقدة وآلية مدروسة قبل الاجماع على مرشح واحد يخوض الحملة ويعمل على نيل ثقة أصوات الناخبين، فالنظام الانتخابي الأمريكي يحصر العملية الانتخابية في مجموعة من المواطنين تتوفر لديهم الشروط القانونية للقيام بهذا الدور، وليس كل الشعب الأمريكي يقوم بالعملية الانتخابية، هؤلاء الناخبين يمثلون مختلف أصناف الطيف المجتمع الأمريكي المتنوع عرقيا والمتعدد إثنيا، وهنا تدخل الحسابات العرقية والاثنية في منح الأصوات للمرشح الذي يخدم أجندتها أكثر وأجندة الدول التي ينحدرون منها ويمثلونها داخل الولايات المتحدة الامريكية، التي هي في الأصل يتكون مجتمعها من مزيج من السكان الأصليين وسكان المهاجرين من مختلف القارة الاوربية الذين يشكلون الأغلبية والنواة الأساسية التي بنت هذا البلد، والامريكيين من أصول آسيوية ولاتينية ومن أصول افريقية الذين تم جلبهم كعبيد، وحتى الديانات تلعب دور كبير ولعل المثال الأبرز في سباق الرئاسة الامريكية يلاحظ أن مترشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي يسعون جاهدين لكسب أصوات الناخبين اليهود الذين يحرصون كل الحرص للدفاع على مصالح الكيان الصهيوني، ويعطون أصواتهم لمن يخدم هذا الكيان أكثر وهو ما يفسر حضور الملف الصهيوني كثيرا في سجالات ونقاشات الحزبين في كل موعد انتخابي.
وأمام هذا التنافس المحموم يطرح السؤال نفسه لمن يمنح الناخبين الأمريكيين من أصول إفريقية أصواتهم هل لمرشح الرئاسة الجمهوري أم لمرشح الرئاسة الديمقراطي، وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة لا بد من التطرق إلى ابرز النقاط الأساسية، فالمواطنين الأمريكيين من أصول إفريقية يشكلون نسبة معتبرة من المجتمع الأمريكي، وتعدادهم الثاني بعد المواطنين من أصول أوربية، أي لديهم نسبة معتبرة من هيئة الناخبين الأمريكيين وأصواتهم مرجحة لفوز أحد الحزبين المتنافسين، لكن قبل ذلك فالماضي الأليم للمواطنين السود الافارقة الأمريكيين، جعلهم يقتحمون عالم السياسة متأخرين ليس بمحض إرادتهم لكن الظروف التاريخية كعبيد في بادئ الأمر، والقوانين والممارسات العنصرية التي استمرت حتى ما بعد منتصف القرن الماضي، والحقوق التي يتمتعون بها اليوم جاءت بعد نضال طويل وكفاح مرير، تحملوه بأنفسهم دون دعم أو مساندة أو حتى تعاطف المجتمع الدولي، كما أن الناخبين الأمريكيين من أصول إفريقية تكاد تنعدم علاقتهم بالقارة الافريقية واقتصارها على الجولات السياحية لتذكر طريق آلام الأجداد، دون ان يتطور الامر لعلاقات حقيقية كما يفعل الناخبين الاخرين الذين تربطهم بدولهم الأم كما هو الأمر باللوبي الصهيوني، والمجموعات الآسيوية، وبعض الأقليات الاثنية والدينية الأخرى، مما يجعل الانتخابات الامريكية ذات صبغة خاصة ومنافسة شديدة بين مترشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ولعل الحدث الأبرز في تاريخ الانتخابات الرئاسية وصول أول رئيس أسود من أصول إفريقية بارك أوباما في فترة سابقا، ساهم كثيرا في شعور الناخبين الأمريكيين من أصول إفريقي بالفخر وأهمية أصواتهم وعزز حضورهم في المشهد السياسي الأمريكي.
ومع ذلك لا يشكل الناخبين الأمريكيين من أصول افريقية أي لوبي حقيقي يخدم مصالح القارة الافريقية ويجعل مترشحي الرئاسة الامريكية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يولون أهمية كبيرة للشأن الافريقي في نقاشاتهم وسجالاهم السياسي، ويشكلون جزرا حقيقيا للتعاون بين أمريكا ومختلف دول القارة، ومن هذا المنطلق يتحتم تبني استراتيجية جديدة ومدروسة لتعزيز الانتماء للسود الأمريكيين الافارقة بقارتهم الام، ولا يقتصر ارتباطهم بالقارة بالجانب السياحي التاريخي، إذ لا بد من تبادل وجهات النظر سيما بين النخب المجتمعية، وأن تكون قوة أصوات الناخبين الافريقية كتلة واحدة وليست موزعة أو متشتتة غير متحكم فيها، مثلما هو الامر مع اللوبي اليهودي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال انتماء الأفارقة لأحد الحزبين المتنافسين ان يؤثر على أصواتهم، وان كانت تميل أكثر للمترشح الذي يميل أكثر للسياسات الاجتماعية الداخلية التي عادة ما يركز عليها الديمقراطيين كالصحة والتأمين الاجتماعي، بمعنى الناخب الأمريكي من أصول افريقية يركز كثيرا على السياسات الداخلية لبلاده، في حين أن الآخرين يهتمون أكثر بالسياسات الخارجية، ومن الطبيعي ان أن الناخبين الأمريكيين وكل المواطنين من أصول افريقية لهم تعاطف كبير مع القارة الأم، لكن هذا يبقى غير كافي لحث المترشح الأمريكي لاعطاء تصورات وحلول فعلية واقعية للازمات الكثيرة التي تعاني منها القارة الافريقية والتي طال أمدها، حتى وان وجدت بعض المبادرات كلقاء أمريكا افريقيا، والزيارات الدورية لغرب افريقيا التي كان يقوم بها بعض القادة الأمريكيين سيما من الحزب الديمقراطي، وربما يحتاج الامر مزيدا من الوقت حتى يدرك الناخب الأمريكي من أصول افريقية أنا صوته يجب ان يوازي بين السياسات الداخلية الضرورية والاستحقاقات الخارجية سيم إزاء القارة الام الافريقية.