تتجه الأنظار هذا الأسبوع نحو عاصمة البترول ولاية ورقلة, التي تحتضن فعاليات المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر, وحسب المعلن من برنامج التظاهرة حسب المنظمين, فإن الطبعة السادسة من هذه التظاهرة تتطلع إلى إحداث نوع من التحول الذي ينسجم مع المتغيرات الجارية في المشهد الثقافي, إلا أن المهم في الموضوع ليس الحدث في حد ذاته, ولا نوعية الفعاليات المقامة, بقدر ما تكون المناسبة فرصة للحديث عن قضية ربما تكون في غاية الأهمية, إلى درجة أن نتوقع ظهور نقاش ثقافي جاد وحقيقي, ينزع نحو قضايا الاقتصاد ومشكلات التنمية.
وما يلفت الانتباه في هذه التظاهرة, أن هذه الطبعة السادسة يحتفي المهرجان بالأطفال, وهو الرهان المستقبلي الذي يمكن أن يشكل ساحة تشمل تفكير النخب الاقتصادية والثقافية والإعلامية على طاولة واحدة فوق كثبان الرمال الساحرة, للشروع في ممارسة النقاش والتفكير حول الفرص المستقبلية التي يمكنها أن تجعلنا نعيد تأسيس تفكير نوعي يرتقى إلى مستوى (مهام وسلوكات الدولة), ويتطلع إلى الحصول على مرافقة معقولة للتطلعات الرسمية التي يعلن عنها خطاب السلطات العمومية, وهو الذي يعلن يوميا عن تلك المحفزات, وحزم الدعم وجرعات التشجيع، لخوض غمار تجارب وأساليب استثمارية جديدة, من أجل تحقيق الأهداف المتطلع إليها.
وبهذه المناسبة, يكون من المفيد الانتباه إلى ضرورة الإقلاع عن التسويف والتباطؤ في التعامل مع موضوع المخطوطات, والتوجه نحو التفطن إلى الثروات الطائلة التي تجنيها الدول من الاستثمار في المخطوطات, وهو الاتجاه الذي تمكن من خلال بعض الدول من الاستفادة من المتاح من التكنولوجيات الاتصالية الحديثة, والعمل على الاستفادة من الرغبة في الانسجام مع الميولات والنزعات التي تجتاح الكثير من مناطق العالم، وهي التي تميل إلى التعامل وبطريقة مغايرة مع كنوز المخطوطات, وهو الاتجاه الذي يستند على مفهوم (اقتصادي/ اتصالي), وقد أثبتت العديد من التجارب والمشاريع نجاحها في الكثير من الدول.
قد يكون الاستثمار الثقافي في الصحراء الجزائرية مناسبة للإعلام الوطني وبالذات الثقافي منه على وجه الخصوص للتفطن إلى المنهجية المطلوبة في التعامل مع هذه الموضوع المهم جدا, والتوجه إلى الممارسة الإعلامية التي تتناسب ومتطلبات العصر ومقتضيات الرهانات الثقافية الإستراتيجية القادمة، وهذه المناسبة فرصة للإعلام الوطني للقيام بمراجعات شاملة وذا تطلب الأمر القيام بعمليات جراحية مؤلمة, تشمل التكوين والممارسة وكذا النظرة الإستراتيجية للممارسة الإعلامية وبالذات مع ثنائية (الثقافي/ الاقتصادي), عبر الابتعاد عن تلك السلوكات الاعتباطية التي يتصور أصحابها أنهم يقدمون منتوجا إعلاميا ترويجيا في الوقت الذي ينتجون المزيد من عوامل النفور والتقزز من الكنوز ذات المنافع الكبرى.
إن القضية الإعلامية في موضوع (الثقافي/ الاقتصادي), تمنحها فعاليات المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر, بعاصمة البترول الفرصة التاريخية لإعادة النظر في منظومة (الممارسة الإعلامية), بداية من التصور الموضوع والرؤية التي يحتلها, مرورا بمفهوم التعامل ومستوى التفاعل وكذا أدوات وأساليب التعاطي والقاموس المستعمل في هذه المهمة, وصولا إلى الأهداف المنتظرة من الممارسة الإعلامية, مما يجعل من إمكانية القيام بمغامر إعلامية جديدة تتجاوز التقليدي مما ألفه المشهد الإعلامي بمنتوجه وأجياله وسلوكاته والقيم التي تجاوزها الزمن وفقدت شرعيتها المهنية والأخلاقية.
إن فرصة المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بعاصمة البترول, يمكن أن تكون مناسبة يتخلص فيها ومنها الخطاب الثقافي من ميزاجية العواطف ويخرج من الانطباعية ويغادر الفئوية, ويقترب من الموضوعية والواقعية, وفي الوقت نفسه سانحة للخطاب الاقتصادي للانتباه إلى المجالات المهمة والمفيدة وذات الأرباح العالية اقتصاديا وماليا واجتماعيا, حتى يمكن نشرع في بناء توليفة تنموية تأخذ بعين الاعتبار الرهانات الاقتصادية في المدى المنظور, ونتجاوز تلك القطيعة العلقمية الفاصلة بين (الثقافي والاقتصادي), وهو التجاوز الذي لن نخترعه بل هو سائر عند غيرنا من الشعوب, إلا أن فرصة النجاح عندنا أكثر أهمية وأعلى مردودية.
إن الخيار الحاسم في تحقيق المتطلع إليه من تغيير جذري في مستوى الرؤية والممارسة لموضوع ثانية (الثقافي / الاقتصادي), يمر بالضرورة عبر إعادة النظر في بنية النخب في المشهد الثقافي والساحة الاقتصادية, وستكون فرصة تاريخية لبلد في مستوى الجزائر أن يعرف تحولا مهما, قد يكون تاريخيا, لو شرعت جميع النخب (إعلامية/ ثقافية/ اقتصادية/ سياسية), في القيام بتوبة نصوح والانطلاق في اعتماد نظرة وممارسة جديدة, تجعل في اعتبارها مكانة الصحراء الجزائرية وتحسن تقدير كنوزها وتنتقل بها ومعها على عالم الاستثمار الثقافي في الصحراء الجزائرية وفق القواعد والمتطلبات المنطقية لعالم اليوم.
الدكتور محمد بغداد